الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية لأحاديث الهداية **
- نجد في "الضعفاء" - للعقيلي، و"الكامل" - لابن عدي، كلامًا كثيرًا عن هوى في سادتنا أئمة الفقه، فالأول: لفساد معتقده على طريقة الحشوية. والثاني: لتعصبه المذهبي عن جهل، مع سوء المعتقد، وسار من بعدهما سيرهما، إما جهلًا، أو تعصبًا، ولم يؤذ من سلك هذا المسلك إلا نفسه، ولم يضع من شان أحد إلا من شأن نفسه، انظر قول ابن عدي في إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي، شيخ الشافعي:"نظرت الكثير من حديثه فلم أجد له حديثًا منكرًا" مع أنك تعلم أقوال أهل النقد فيه، كأحمد. وابن حبان، قال العجلي:" مدني، رافضي، جهمي، قدري، لا يكتب حديثه"، بل كذبه غير واحد من النقاد، ولولا أن الشافعي كان يكثر منه، قدر إكثاره من مالك، لما سعى ابن عدي في تقوية أمره، استنادًا إلى قول مثل ابن عقدة، ولا أدري كيف ينطلق لسان ابن عدي بالاستغناء عن علم مثل محمد بن الحسن، وإمامه لم يستغن عن علمه، بل به تخرج في الفقه، لكن المتشبع بما لا يعط، يستغني عن علم كل عالم، متغمغمًا في جهلاته، غير ناظر إلى ما وراءه وأمامه، وهكذا مع سائر أئمتنا كلهم، ألهمهم اللّه سبحانه مسامحته، ومن معايب كامل ابن عدي، طعنه في الرجل بحديث، مع أن آفته الراوي عن الرجل، دون الرجل نفسه، وقد أقر بذلك الذهبي في مواضع من "الميزان"، ومن هذا القبيل كلامه في أبي حنيفة في مروياته البالغة - عند ابن عدي - ثلاثمائة حديث، وإنما تلك الأحاديث من رواية أباء بن جعفر النجيرمي، وكل ما في تلك الأحاديث من المؤاخذات كلها، بالنظر إلى هذا الراوي الذي هو من مشايخ ابن عدي، ويحاول ابن عدي أن يلصق ما للنجيرمي إلى أبي حنيفة مباشرة، وهذا هو الظلم والعدوان، وهكذا باقي مؤاخذاته، وطريق فضح أمثاله، النظر في أسانيدهم . وأما العقيلي، فقد نقلنا كلمة الذهبي فيه، في مقدمة انتقاد المغني، وسبق منا الكلام فيه أيضًا. وأما كتب البخاري في الرجال، فليس ثبوتها منه، كثبوت الجامع الصحيح على أن النظر في أسانيدها هو الطريق الوحيد، لتعرف دخائلها، فإذا رأيته يروي عن نعيم بن حماد، تذكر قول الدولابي، وأبي الفتح الأزدي فيه، وإذا رأيته يروي عن الحميدي، تذكر كلمة محمد بن عبد اللّه بن عبد الحكم فيه، وإذا وجدته يروي عن إسماعيل بن عرعرة، تبحث عنه في كتب الرجال. مع الانتباه إلى انقطاع خبر الحميدي. وخبر إسماعيل، وهكذا تفعل في باقي الكتب، وأما كتاب ابن حبان في الرجال، فتنظر حال مؤلفه في "معجم البلدان" - لياقوت في (بست)، وقد قال الذهبي عن ابن حبان في "ترجمة أيوب بن عبد السلام - من الميزان": إنه صاحب تشنيع وتشغيب، ولا تنسى كلمة ابن الجوزي - في مناقب أحمد - في ابن المديني، وأما عبد الرحمن بن مهدي، فكان كثير الطعن، كثير التراجع، قال أبو طالب المكي في "قوت القلوب": كان عبد الرحمن ينكر الحديث، ثم يخرج بعد وقت، فيقول: هو صحيح، وقد وجدته، وعن ابن أخته أنه قال: كان خالي قد خط على أحاديث، ثم صحح عليها بعد ذلك، وقرأتها عليه، فقلت : قد كنت خططت عليها؟ فقال: نعم، ثم تفكرت، فإذا أني إذا ضعفتها أسقطت عدالة ناقلها، وإن جاءني بين يدي اللّه تعالى، وقال لي : لم أسقطت عدالتي؟ رأيتني لم يكن لي حجة، راجع كلمة العجلي في سؤالات ابنه، في "ابن مهدي"، وأما الخطيب، فتدرس أشعاره التي نقلها ابن الجوزي في "السهم المصيب" من خطه، ثم ما ذكره سبط ابن الجوزي في "مرآة الزمان" بشأنه [راجع ابن الجوزي في "الخطيب" ص 136، وص 137، من الجزء الثاني من "نصب الراية".] حتى تعلم قيمة كلامه في الجرح. وكتاب "الجرح والتعديل" - لابن أبي حاتم، فبعد أن ترى فيه كلامه في البخاري شيخ حفاظ الأمة - تركه أبو زرعة. وأبو حاتم - ، تعلم مبلغ تهوره، فتتروى في قبول ما يقوله من الجروح، وفي أوائل ما علقناه على شروط الأئمة فوائد من الرامهرمزي في هذا الصدد. قال ابن معين: ربما نتكلم في الرجل، وقد حط رحله في دار النعيم من زمن بعيد، وكم اختلق إبراهيم بن بشار الرمادي على لسان ابن عيينة من الروايات؟، وكم افتروا على مالك في هذا الصدد؟، كما يظهر من كلام أبي الوليد الباجي في "المنتقى - شرح الموطأ" ص 300 - 7، وقال أبو الحسن بن القطان. وغيره عن الساجي: مختلف في الحديث، ضعفه قوم، ووثقه آخرون، بل تراه كثير الانفراد بمناكير الأخبار عن مجاهيل، كما تجد ذلك منه بكثرة في تاريخ الخطيب. وقال أبو بكر الرازي في حديث ذكاة الجنين، عند ذكره كلمة انفرد بها الساجي: إنه ليس بمأمون، ولا ثقة، فلا يكون كلامه في العلل والخلاف موضع تعويل أصلًا. وتعصبه البارد مما لا يطاق. ومن تحامل على أئمتنا، إما راو جامد، لا ينتبه إلى دقة مدرك أئمتنا في الفقه، فيطعن فيهم بمخالفة الحديث، وهو المخالف للحديث دونهم، أو زائغ، صاحب بدعة، يظن بهم أنهم على ضلال، وهو الضال المسكين. ومن الطعون ما يسقط به الطاعن بأول نظرة، حيث يكون كلامه ظاهر المجازفة، فإذا رأيته يقول مثلًا: "فلان ما ولد بالإسلام أشأم منه" لاحظت أنه لا شؤم في الإسلام، وإنه على تسليم وجوده في غير الثلاث الواردة في الحديث، لا تشك أن درجات الشؤم تكون متصاعدة، فالحكم على شخص بأنه أشأم المشؤومين بغير نص من المعصوم، حكم غيبي يبرأ منه أهل الدين، فمثل هذا الكلام يسقط قائله على تقدير ثبوته عنه، قبل إسقاط المقول فيه، فمسكين جدًا من يسجل مثل هذا الهراء في شأن الأئمة القادة، وأما الطعن في الرجل باعتبار أنه ليس من بلد الطاعن، أو ليس من قومه، أو ليس على مذهبه، فتعصب بارد، يأباه أهل الدين، قال الشافعي في "الأم": من أبغض الرجل، لأنه من بني فلان، فهو متعصب، مردود الشهادة، قال أبو طالب في "قوت القلوب": وقد يتكلم بعض الحفاظ بالإقدام. والجرأة، فيتجاوز الحد في الجرح، ويتعدى في اللفظ، ويكون المتكلم فيه أفضل منه، وعند العلماء باللّه تعالى أعلى درجة، فيعود الجرح على الجارح، اهـ. وفي: ص 62 من - الاختلاف في اللفظ - لابن قتيبة ما يكشف النقاب عن وجوه مجازفاتهم باسم الجرح والتعديل، بعد محنة أحمد، وقال ابن الجوزي في "التلبيس": ومن تلبيس إبليس على أصحاب الحديث، قدح بعضهم في بعض، طلبًا للتشفي، ويخرجون ذلك مخرج الجرح والتعديل الذي استعمله قدماء هذه الأمة، للذب عن الشرع، واللّه أعلم بالمقاصد، ودليل خبث هؤلاء سكوتهم عمن أخذوا عنه، اهـ. والحاصل أن كتب الجرح من أمثال ما سبق، وأمثال تاريخ ابن أبي خثيمة. وكتاب "المدلسين" - للكرابيسي، لم تدع من لم تغمز فيه، سواء أكان من الحفاظ، أم من الأئمة الفقهاء، بحيث يجد مثل الصاحب بن عباد أكبر طعن في كبار الحفاظ، وأهل الحديث في تلك الكتب، ويؤلف في ذلك مؤلفًا خاصًا، وكذلك يفعل بعض الفاتنين في أئمة الدِّين، فلا نود أن نتوسع هنا في البحث بأكثر من هذا، ومما يؤسف له جدًا استمرار هذا التعصب المردود، على توالي القرون، وهذا الحافظ ابن حجر، تراه يسند في "لسان الميزان - في ترجمة معمر بن شبيب بن شيبة": أنه سمع المأمون يقول: "امتحنت الشافعي في كل شيء، فوجدته كاملًا، وقد بقيت خصلة، وهو أن أسقيه من النبيذ، ما يغلب على الرجل الجيد العقل، قال: فحدثني ثابت الخادم أنه استدعى به، فأعطاه رطلًا، فقال: يا أمير المؤمنين ما شربته قط، فعزم عليه، فشربه، ثم والى عليه عشرين رطلًا، فما تغير عقله، ولا زال عن حجته" ثم يقول ابن حجر: قلت: لا يخفى على من له أدنى معرفة بالتاريخ أنها كذب، اهـ. ثم تجد ابن حجر يقول في "توالي التأسيس" ص 56: "وقال معمر بن شبيب: يقول: سمعت المأمون يقول: "امتحنت محمد بن إدريس الشافعي في كل شيء فوجدته كاملًا". مقتصرًا على هذا القدر من الحديث، مع أن الحكاية بأسرها مكذوبة، فكيف استساغ ابن حجر الاحتجاج بشطر الخبر المكذوب في إثبات منقبة للشافعي، وما ورد بسند واحد، إما أن يردَّ كله، أو يقبل كله، وما فعله ابن حجر هنا هي الخيانة بعينها، وكم سجل عليه أبر أصحابه إليه من تعصبات باردة ضد الحنفية. وغيرهم في "الدرر الكامنة"، راجع - هوامشها - المنقولة من خط السخاوي، وليس هذا موضع بسط لسرد ماله من هذا القبيل. ومن هذا القبيل ما قاله في "توالي التأسيس": ص 47: ويدل على اشتهاره في القدماء ما أخرجه البيهقي من طريق أحمد بن عبد الرحمن، اهـ، وهو يعلم أن أحمد بن عبد الرحمن هو: ابن الجارود الرقي الكذاب المشهور، ولا عذر له في رواية البيهقي بطريقه، لأنه لا يعلم أنه لا يتقي رواية رحلة الشافعي، الظاهرة الكذب، بطريق أحمد بن موسى النجار عن عبد اللّه بن محمد البلوي: كما فعل مثل ذلك أبو نعيم الأصبهاني، وهما يعرفان جميعًا أن البلوي كذاب، والنجار مثله، لكن قاتل اللّه التعصب، يفتك بالمتعصبين. قال الذهبي في "الميزان" عن النجار هذا : حيوان وحشي، قال: حدثنا محمد بن سهل الأموي حدثنا عبد اللّه بن محمد البلوي، فذكر محنة مكذوبة للشافعي، فضيحة لمن تدبرها، اهـ.، وهي الرحلة التي كذبها ابن حجر أيضًا في "مناقب الشافعي": ص 71، ومما يؤاخذ عليه ابن حجر، ذكره البلوى في عداد أصحاب الشافعي، واصفًا له أنه من الضعفاء فقط، مع أنه كذاب مشهور. وفي هذا القدر كفاية فيما نريد لفت النظر إليه هنا، وصلى اللّه على سيدنا محمد. وآله، وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا، وآخر دعوانا أن الحمد للّه رب العالمين في 3 جمادى الآخرة سنة 1357 هـ. 31 يولية سنة 1938 م. كتبه الفقير إلى آلآء مولاه، محمد زاهد بن الحسن بن علي الكوثري، عفا اللّه عنهم، وعن مشايخهم، وقرابتهم، وسائر المسلمين. نصب الراية - والعناية بحاشيته والعناء في تصحيحه، وطبعه.
|